الخميس، 2 يونيو 2011

كتاب ما بين العمرين

كتاب ما بين العمرين
عمر بن الخطاب ... وعمر بن عبدالعزيز
ذات يوم يتلقى من أحد ولاته هدية من الحلوى ، ولا تكاد توضع بين ديه حتى يسأل ا لرسول الذي جاء يحملها : ما هذ ؟ قال حلوى يصنعها أهل اذربيجان ، وقد ارسلني بها إليك عتبة بن فرقد ، فذاقها عمر ، فوجد لها مذاقا شهيا ، فعاد يسأل الرسول أكل المسلمين هناك يطعمون هذا:؟ قال الرجل : لا وإنما هو طعام الخاصة ،فأعاد عمر إغلاق الوعاء جيدا، وقال للرجل ، أين بعيرك ، خد حملك هذا وارجع به لعتبة وقل له:عمر يقول لك ، اتق الله .. وأشبع المسلمين مما تشبع به ..!!
وكان جبلة بن الأيهم أميرا غسانياً يعتنق المسيحية فأسلم ، وأسلمت معه طائفة من قومة ، ثم وطئ أعرابي إزراه فلطمه جبلة على ملأ من حجاج بيت الله ، فقضى عمر للأعراب أن يلطم الأمير أمام الملأ، لأن الإسلام لا يفرق بين سوقي وأمير ، ولما علم جبلة بذلك هرب من وجه عمر .
وقال : أي والذي نفس عمر بيده .. إذ لأقصنه منه أنا ، وكيف لا أقص منه ورأيت الرسول () يقص من نفسه ، آلا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم ، ولا تنزلوهم الغياض فتصنعوهم .
وقال " أس بين الناس في مجلسك ووجهك ، حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا ييأس ضعيف في عدلك " .
حدث أن أمر بكتابة عهد لبعض الولاة ، فأقبل صبي صغير فجلس في حجره .. وهو يلاطفه ويقبله ، فسأله المرشح للولاية : أتقبل هذا أمير المؤمنين ؟ إن لي عشرة أولاد ما قبلت أحدا منهم ، ولادنا أحدهم منى ، فقال له عمر : وما ذنبي إن كان الله عزوجل نزع الرحمة من قبلك ، إنما يرحم الله من عبادة الرحماء ، ثم أمر بكتاب الولاية أن يمزق وهو يقول : إنه لم يرحم أولاده فكيف يرحم الرعية ؟
والرأي عنده ليس إلتماسا للموافقة ، بل التماساً للحقيقة , ولطالما كان يقول للناس : لا تقولوا الرأي الذي تظنونه يوافق هواي ، وقولوا الرأي الذي تحسبونه يوافق الحق .
يصعد المنبر يوماً فيقول : " يا معشر المسلمين ، ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا هكذا؟ فيشق صفوف رجل ويقول وهو يلوح بذراعه كأنها حسام ممشوق : إذا نقول بالسيف هكذا
فيسأله عمر : إياي تعني بقولك؟ فيجيب الرجل : نعم إياك أعني بقولي
فتضئ الفرحة وجه عمر ويقول : رحمك الله ... والحمدلله الذي جعل فيكم من يقوم اعوجاجي

صعد المنبر ذات يوم ، ليحدث المسلمين في أمر جليل ، فيبدأ خطبته بعد حمدلله ، وبقوله : اسمعوا يرحمكم الله ، ولكن أحد المسلمين ينهض قائماً فيقول : والله لا نسمع .. والله لا نسمع !!
فيسأله عمر في لهفة : ولم يا سلمان ؟ فيجيب سلمان : ميزت نفسك علينا في الدنيا ، أعطيت كلا منا بردة واحدة ، وأخذت أنت بردتين !
فيجل الخليفة بصره في صفوف الناس ثم يقول : أين عبدالله بن عمر ؟
فنهض ابنه عبدالله ، فأنذا يا أمير ا لمؤمنين ..
فيسأله عمر على الملأ : من صاحب البردة الثانية ؟
فيجب عبدالله : أنا يا أمير المؤمنين
ويخاطب عمر سلمان والناس معه فيقول : إنني كما تعلمون رجل طوال ولقد جاءت بردتي قصيرة ، فأعطاني عبدالله بردته ، فأطالت بها بردتي
فيقول سلمان : الحمدلله ... والآن قل نسمع ونطع يا أمير المؤمنين

ويدور ذات يوم حوار بينه وبين واحد من الناس ، ويتمسك الآخر برأيه ، ويقول لأمير المؤمنين : اتق الله يا عمر ، ويكررها مرات ويزجره أحد الجالسين قائلا : صه .. فقد أكثرت على أمير المؤمنين
ولكن أمير المؤمنين يقول له : دعه ، فلا خير فيكم إذا لم تقولوها.. ولا خير فينا إذا لم نسمعها ..

ووضع مبدأ جليلاً فقال : " من استعمل رجلاً لمودة أو قرابة ، لا يحمله على استعماله إلا ذلك ، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين " .

وقد جمع عمر صلاح المال في ثلاث : أن يؤخذ من حق ، ويعطي في حق ، ويمنع من باطل .
إن عمر أول من سمي " أمير المؤمنين " وأول من كتب التاريخ الهجري في شهر ربيع الأول سنة ست عشرة من الهجرة ، فكتبه من هجرة النبي من مكة إلى المدينة ، باعتبار أن حدث الهجرة كان حدثاً فاصلا في تاريخ الدعوة الإسلامية ، وبه بدأت الجماعة الإسلامية في المدينة المنورة ، وبدأ نور الإسلام ينتشر في الأرجاء ، وكان عمر أول من عين القضاة .
0
وفي جرأة حادة وقف العمل بحكم شرعي هو تخصيص جزء من الأموال المخصصة في الزكاة للمؤلفة قلوبهم ، وقال : " كان رسول الله  يعطيهم والإسلام يومئذ ضعيف ، أما اليوم فقد أعز الله دينه وأعلى كلمته ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، ولن يتسع هذا الدين إلا يدخله راغبا مومنا "

أتاه رجل يسعى ذات يوم ظاناً أنه يحمل إليه بشرى ، فيقول : يا أمير المؤمنين ، رأيت فلانا وفلانة يتعانقان وراء النخيل ، فيمسك عمر بتلابيبه ، ويعلوه بمخفقته ، ويقول له بعد أن يوسعه ضرباً : هلا سترت عليه ، ورجوت له التوبة ، فإن رسول الله قال : من ستر على أخيه ستره الله في الدنيا والآخرة .

وقال في عمل الدنيا والآخرة : ليس خيركم من عمل للآخرة وترك الدنيا ، أو عمل للدنيا وترك الآخرةن ولكن خيركم من أخذ من هذه ومن هذه ، وإنما الحرج في الرغبة فيما تجاوز قدر الحاجة زاد على حد الكفاية .

وتحدث الناس عنده يوماً عن رجل وذكروه بخير فقالوا : إنه لا يعرف الشر ابداً ، فقال عمر : ذاك أجدر أن يقع فيه .

كتب إليه أبو عبيدة أنه لا يريد الإقامة بإنطاكية ( مدينةالشام ) لطيب هوائها ووفرة خيراتها ن مخافة ان يخلد الجند إلى الراحة فلا ينتفع بهم بعدها في قتال ، فأنكر عليه ذلك وأجابه : إن الله عزوجل لم يحرم الطيبات على المتقين الذين يعملون الصالحات ، فقال تعالى في كتابه العزيز : ( يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) وكان يجب عليك أن تريح المسلمين من تعبهم ... وتدعهم يرغدون في مطعمهم ويريحون الأبدان النصبة في قتال من كفر بالله .

وفي القدس كان يريد هرقل امبراطور الروم أن يكره أهل المدينة عليه من ترك مذهبهم إلى مذهب الدولة الرسمي ، فمن أبى جدع أنفه ، وصلمت أذناه وهدم بيته ، فلا شك أن هذا الصلح قد صاحبه عهد جديد فتح الله به على النصارى من أهل المقدس وهو عهد لم يتهيأ لهم في التاريخ ولم يكن لهم رجاء قط في مثله .

عمر بن عبدالعزيز
كتب إليه واليه على خرسان في اقصى شرق الدولة ، يستأذنه في أن يرخص له باستخدام بعض القوة والعنف مع أهلها ، قائلاً في رسالته للخليفة " إنهم لا يصلحهم إلا السيف والسوط "
فكان رده التقي الحازم " كذبت بل يصلحهم العدل والحق ، فابسط ذلك فيهم ن واعلم أن الله لا يصلح عمل المفسدين "

كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عماله يقول " لابد لكل رجل من مسكن يإوي إليه ، وخادم يكفيه ، وفرس يجاهد عليه وأثاث في بيته ، فإذ كان غارما فاقضوا عنه ما عليه من دين "

وفي فترة حكم عمر بن عبد العزيز تناقل الناس حديث واحد من الرعية .. حيث قال : كنت أحلب الغنم في خلافة عمر بن عبدالعزيز فمررت براع ، وفي غنمه نحو ثلاثين ذئبا ن فحسبتها كلابا ، ولم أكن رأيت الذئاب قبل ذلك ن فقلت : يا راعي يا راعي ّ ما ترجو بهذه الكلاب كلها ؟ فقال : با بني إنها ليست كلابا ، إنما هي ذئاب فقلت سبحان الله ، ذئب في غنم لا يضرها ؟ فقال يا بني ّ إذا صلح الرأس ، فليس على الجسد بأس ، وإذا قام على الناس الخليفة الصالح ، كفت الذئاب والأسد عن الشياه وعندما ارتفعت روحه إلى بارئها ... عادت الذئاب تنقض على الشياه .. فعلموا أن العبد الصالح قد فارق دنياهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق