الأربعاء، 27 أبريل 2011

عبدالوهاب المسيري

من هم اليهود ؟
وما هي اليهودية ؟

أسئلة الهوية وأزمة الدولة اليهودية ...

تنقسم الدراسة إلى ثلاثة أبواب يفكك في أولها مفهوم " الوحدة اليهودية العالمية " ، والهوية اليهودية " ثم يبين الباب الثاني مدى تجانس الجماعات اليهودية في العالم ، ويحلل في الباب الآخير " سؤال الهوية وازمة المجتمع الصهيوني " و " التناقضات الأساسية بين الرؤية الصهيونية لما يسمى " الهوية اليهودية " و " واقع الجماعات اليهودية " .

• الصهيونية تطرح نفسها على أنها أيديولوجية إصلاحية تهدف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي من خلال ما يسمى في المطلح الصيوني " نفي الدياسبورا " أي تصفية الجماعات اليهودية في انحاء العالم ونقل اليهود إلى فلسطين وتوطينهم فيها بعد طرد الفلسطينيين العرب من وطنهم .
• البرنامج الصهيوني يتطلب عمليتي تهجير " ترانسفير " : نقل الفلسطنيين العرب من فلسطين إلى خارجها ، ونقل الجماعات اليهودية من أوطانهم إلى فلسطين ، وعمليتا الترانسفير تستندان إلى تصور أن فلسطين أرض بلا شعب ، لشعب بلا أرض .

الباب الأول : تنوع الهويات اليهودية
الفصل الأول : الجماعات اليهودية الأساسية
يمكن القول : إن ثمة ثلاث جماعات يهودية أساسية يؤمن أعضائها ياليهودية الحاخامية أو يدورون في إطارها : هم السفارد و الإشكناز ويمكن أن نضم لهم الإسرائليين , وكما توجد عشرات من الجماعات الصغيرة الهامشية .

السفارد :
مصطلح " سفارد " مأخوذ من الأصل العبري " سفارديم " وتستخدم للإشارة إلى اليهود الذين عاشوا أصلا في اسبانيا والبرتغال مقابل الإشكناز الذين كانوا يعيشون في ألمانيا وفرنسا ومعظم اوروبا

وقد كان السفارد يصرون على الاحتفاظ بمسافة بينهم وبين الإشكناز ، الذين كانوا يتسمون بقدر كبير من العزلة والتخلف الحضاريين ، حتى أن السافاردي الذي كان يتزوج من إشكنازية كان يطرد من الجماعة السفاردية ، كما أن لهم معابدهم المستقلة

وفي العصر الحديث كانت الهجرة اليهودية في الغرب تأخذ الشكل التالي : يستقر أعضاء جماعة سفاردية تمتلك من الخبرات ورؤوس الاموال والاتصالات الدولية ما يجعل منها جماعة تجارية إدارية متقدمة ، ثم تأتي الإشكنازية وتلحق بهم ويقفون على هامش المجتمع الغربي .

وقد تدهور وضع اليهود السفارد ، وقد ارتبط اليهود غير الغربيين " المغاربة والمستعربة " بالحاخامية السفاردية .

التناقض بين السفارد والإشكناز :
يشار إليهما على أنهما " يهود " بشكل عام ، رغم أن كلا الفريقين تبنى التلمود البابلي " وليس الفلسطيني " مرجعا وحيدا للأمور الدينية .
1- الإختلافات العامة :
أ - السفارد يتسمون باتساع الافق فأما الاشكناز العكس من ذلك
ب - التأثير الفكري السفادر في الإشكناز كان عميقا
ج - يستخدم السفادر الخس في عيد الفصح ، والفجل الحار يستخدمة الإشكناز

2- الإختلاف في الصلاة بين اليهود الشرقيين والغربيين : يرفض كل منهما في الصلاة في معبد الآخر
3- الإختلاف في موضوع الزواج
4- الإختلاف بخصوص الذبح الشرعي وتركيبة النبيذ

الإسرائليون :
الكتلة الثالثة بعد السفارد والإشكنازية ووهم المستوطنين الصهاينة الذين ولدوا ونشأوا في فلسطين المحتلة قبل وبعد عام 1948
عاد ما يشار إلى الشباب الإسرائيلي الذين ولدوا ونشأوا في الدولة الصهيونية بأنه من " الصابرا " والمصطلحات المرتبطة به تؤكد صفات محددة في شخصية صاحبها ، ومن أهمها معادة الفكر والمقدرة على التعامل مع الواقع بشكل مباشر ولديهم احساس شديد بهويتهم المخلقة الجديدة تأخذ شكل اعتزاز شديد بالنفس واحتقار عميق ليهود العالم ، أي انه علماني تماما وقد تزايد عددهم بسبب انخفاض معدلات الهجرة

الفصل الثاني :
الجماعات اليهودية الهامشية :
• يهود الهند : توجد اربع جماعات يهودية بني اسرائيل في بومباي ، يهود كوشين على ساحل مالابار ، وكيرلا ، واليهود البغدادية في بومباي ويهود مانيبور في الحدود مع بورما ، وقد تأثرت كل هذه الجماعات اليهودية بالبيئة الهندية وبنظام الطوائف المغلقة .
• يهود الصين : يعيشون في مدينة كايفنج عاصمة هونان ، ولذا يقال لهم ايضا " يهود كايفنج " .
• يهود القوقاز : معظم يهود القوقاز جاءوا من إيران إذ يظهر أثر ذلك في لهجاتهم
• يهود جورجيا : وقد استوطنت أعداد كبيرة من يهود جورجيا في الدولة الصهيونية
• يهود بخارى : تقول اساطيرهم إنهم منحدرون من أسباط يسرائيل العشرة المفقودة
• يهود الجبال ( يهود التات ، يهود داغستان )
• يهود السود : ومنهم العبرانيون السود : فريق من الأمريكيين السود الذين يؤمنون باليهودية وبلتزمون بتطبيق الشريعة اليهودية بتشدد يفوق تشدد اليهود البيض وإنهم هم وحدهم سلالة اليهود القدامى الحقيقية
الفلاشاه : كلمة امهرية تعني "المنفيين " وايضا " غريب الأطوار " ويتركز الفلاشاه أساسا في شمال إثيوبيا
• جماعات سوداء يهودية أخرى : في غرب افريقيا
• الخزر : والخزر قبيلة من أصل تركي
• المارانو : من أهم الجماعات اليهودية الهامشية وهم اولئك اليهود المتخفين في اسبانيا والبرتغال الذين تراجعوا ظاهريا عن اليهودية وادعوا اعتناق الكانوليكية حتى يتمكنوا من البقاء في شبة جزيرة ايبيريا مع تراجع الحكم الأسلامي وبعد طرد يهود البرتغال عام 1480

جماعات هامشية اخرى :
• اليهود المستعربة : هم يهود البلاد العربية وهم يُسمون خطأ " السفارد " والواقع أن كثيرا منهم يتبع المنهاج السفاردي في العبادة
• السامريون : أي سكان السامرة ، ويطلقون على انفسهم " بنو يسرائيل " أو " بنو يوسف " باعتبار أنهم انحدروا من نسل يوسف وهم لا يعترفون بداود ولا سليمان ولا يعترفون بقدسية جبل صهيون فلهم جبلهم المقدس " الجبل المختار "
• القراءون : وهم القراءون أي اهل الكتاب ، وسمى بهذا لأنهم لا يؤمنون بالشريعة الشفوية وإنما يؤمنون بالتوراة .
• الدونمة : جماعة يهودية تركية شبتانية " من أتباع شبتاي تسفي ، المسيح اليهودي الدجال الذي ظهر في القرن السابع عشر 1648 " وهم من اليهود المتخفين استقرت في سالونيكا وأشهرت اسلامها ، فقد اعتقد كثيرون من أتباعه المؤمنين به أن ارتداده عن دينه واعتناقه الإسلام إنما هو تلبية لأمر خفي من الرب و تنفيذ للإرادة الإلهية , ولكنهم ظلوا متمسكين سرا بتقاليد اليهودية .
• الكرمشاكي : يهود شبه جزيرة القرم وهي جماعة يهودية صغيرة تسكن شبه جزيرة القرم
• اليهود الأكراد : يعيش معظم افرادها في العراق ، كما توجد مجموعة في سوريا
• الرومانيوت : وهم اعضاء الجماعة اليهودية داخل الامبراطورية البيزنطية في اسيا الصغرى وشبة جزيرة البلقان .
• جديد الإسلام : وهو مصطلح إيراني يعني " المسلمون الجدد" ويشير هذا المصطلح إلى اليهود المتخفين الذين ارغموا عنوة على اعتناق الاسلام في ايران في القرنين السابع والثامن عشر
• تشويتاس : من الجماعات التي يصعب تصنيفها على أنها يهودية : وتعني لحم الخنزير ويقيمون في مايروكا
• القبائل العبرانية المفقودة .

الفصل الثالث :
تاريخ الهويات اليهودية

حاول علماء اليهود أن يخلقوا هوة بين اليهود وأعضاء الديانات الأخرى وكان التلمود هو ثمرة هذه المحاولة ، وظهر تعريف الشريعة للهوية اليهودية ، فعُرف اليهودي بأنه من ولد لأم يهودية أو من تهود " وإن كان الحاخامات لا يشجعون التهويد " وقد كانت إشكالية اساسية داخل التعريف إذ أنه حسب هذا التعريف من يولد لأم يهودية يظل يهوديا حتى ولو لم يؤمن بالعقيدة اليهودية ، أما اليهودي المتهود فكان عليه أن يقوم بتنفيذ جميع الأوامر والنواهي أي ان يكون يهوديا بالمعنى الديني

اليهودية الإصلاحية والمحافظة والأرثوذكسية :

اليهودية الإصلاحية :

جوهر مشروع اليهودية الإصلاحية هو محاولة نزع القداسة عن كثير من المعتقدات الدينية اليهودية ولذا عدل الاصلاحيون فكرة التوراة فهي بالنسبة لهم مجرد نصوص ألهم الإله بها العبرانيين الاولين ، ولذا يجب أن تحترم ولكنها يجب أن تتكيف مع العصور المختلفة ، وبطبيعة الحال لا يعترف اليهود الإصلاحيون بالشريعة الشفوية وهي نزعت القداسة عن كل شي بحيث اسقطت الشعائر وكل العقائد تقريبا إي إنها هربت من وحدة الوجود الروحية إلى وحدة الوجود المادية .
وأدخلوا الموسيقى والأناشيد الجماعية كما سمحوا باختلاط الجنسين في الصلوات ومنعوا تغطية الرأس اثناء الصلاة أ استخدام تمائم الصلاة
وكان من المنطقي أن تعادي اليهودية الإصلاحية الحركة الصهيونية ( في نزعتها القومية ، وفي تمجيدها للجيتو والتلمود )
وكما ان المحافظين رفضوا وعد بلفور وكل المحاولات السياسية التي تنظلق من فكرة الشعب اليهودي أو التي كانت تخاطب اليهود كما لو كانوا كتلة بشرية متجانسة لها مصالح مستقلة عن مصلحة الوطن الذي ينتتمون إليه .

ولكن نجد أن اليهودية الاصلاحية تخلت بالتدريج عن رؤيتها الليبرالية وأخذت في تعديل رؤيتها بشكل يتواءم مع الرؤية الصهيونية وإلى فكرة الأرض المقدسة إلا أن مصدر قداستها ليس العهد بين الشعب والإله وإنما الشعب اليهودية نفسه

اليهودية المحافظة :

رغم أن اليهودية المحافظة رد فعل لليهودية الإصلاحية فإن ثمة عنصرا مشتركا أساسيا بينهما ، فهما يهدفان إلى حل إشكالية الحلول الإلهي في الشعب اليهودي ومؤسساته القومية
ولكن المحافظين على عكس الإصلاحيين يودون إحداث التغيير دون الإخلال بما يسمونه ورح الشعب العضوي اليهودي ، وقد عرفت اليودية المحافظة أهدافها بأنها الاصرار على وحدة اسرائيل العالمية .
وقد ارتبطت اليهودية المحافظة بالصهيونية منذ البداية ،
وكان اليهود المحافظون يتهمون اليهود الإصلاحيين بالابتعاد عن الشريعة

اليهودية الإرثوذكسية :

ثمة عداء عميق بين اليهودية الأرثوذكسية ( اليهودية الحاخامية التلمودية ) من جهة ومن جهة أخرى اليهودية المحافظة والإصلاحية

يومنون جمعيا يؤمنون بعقيدة الوحي الإلهي وأن التوراة منزلة من الإله ، وعلى الشعب اليهودي اتباع هذا الكتاب المقدس ، ولكن الأرثوذكس لايومنون بالتوراة وحدها باعتبارها مستودع الكشف الإلهي وإنما يؤمنون أيضا بالتلمود الشفوية ، ويعتقد الأرثوذكس اعتقادا حرفيا بصحة العقائد اليهودية الحلولية ، مثل الإيمان بالعودة الشخصية للماشيح ، وبالعودة إلى فلسطين ، وبأن اليهود هم الشعب المختار الذي يجب أن يعيش منعزلا عن الناس لتحقيق رسالته .
وتسيطر اليهودية الأرثوذكسية على الحياة الدينية في اسرائيل ، فهي تسيطر على دار الحاخامية الرئيسية وعلى وزارة الشئون الدينية ، وعلى الاحزاب الدينية

الخريطة العامة للهويات اليهودية في الوقت الحاضر :
1- يهود اليديشية : يهود شرق اوروبا او يهود الإشكناز وهم قسمان يهود متدينون ويهود تمت علمنتهم
2- يهود العالم الغربي المندمجون ، وينقسمون إلى قسمين على أسس دينية ( إصلاحي ، محافظ ،تجديدي ، ارثوذكسي ) ، ويهود إثنيون أو لا دينيون وأكبر تجمع لهؤلاء في الولايات المتحدة
3- يهود امريكا الاتينية يتحدثون الاسبانية والبرتغالية اساسا
4- يهود الشرق والعالم الاسلامي والعالم العربي
5- الجماعات اليهودية الهامشية الصغيرة

وهناك ثمة ثلاثة أقسام أساسية الآن في العالم :
1- خارج فلسطين
2- داخل فلسطين المحتلة
3- يهود متدينون ( أرثوذكس ) : وهم اقلية صغيرة خراج اسرائيل وأقلية كبيرة داخلها .

ظهور الهويات اليهودية واختفاؤها :
اليهود الجدد :

الشكل الأساسي للهوية المعلنة بين الأمريكيين اليهود ، واليهود الجدد بشكل عام ، هو إعلان انتمائهم الصهيوني بشكل متشنج حتى يضفوا ما بشبه المضمون الإيجابي الصلب على هذه الهوية اليهودية الهشة السطحية ، سنكشف ان يهود العالم الغربي قبلوا الصيونية حسب شروطهم هم ، ونحن نقسم الصهيونية إلى نوعين : استيطانية أي أن يهاجر المواطن اليهودي من بلده ويتحول إلى مستوطن صهيوني في فلسطين ، وصهيونيته توطينية أو صهيونية الغوث والمعونة والهوية ، وهذه الصهيونية تترجم نفسها إلى تبرعات مالية لأسرائيل للمساعدة في توطين اليهود الآخرين ، وإلى تأييد وضغط سياسين من أجلها ، وإلى مصدر من مصادر الهوية ،و قد أصحبت الدولة الصهيونية بالنسبة لهؤلاء اليهود الجدد هي البلد الأصلي ( مسقط الرأس ) مثل أيطاليا بالنسبة إلى الإيطاليين وايرلندا بالنسبة إلى اللأيرلنديين ولنبان بالنسبة إلى البنانيين فكأن الأمريكيين اليهود قد تقبلوا الصهيونية بعد أمركتها ، تماما مثلما فعلوا مع اليهودية ؟ فالبلد الأصلي هوالبلد الذي تهاجر " منه " وليس البلد الذي " تعود " إليه .


الباب الثاني :

تواريخ وثقافات وفنون الجماعات اليهودية :

هل هناك تاريخ اليهودي ؟
هو مصطلح يفترض وجود تاريخ يهودي مستقل عن تواريخ الشعوب والأمم كافة ، كما يفترض أن هذا التاريخ له مراحلة التاريخية وفتراته المستقلة ومعدل تطوره الخاص ، بل وقوانينه الخاصة ، إن عزل التجارب التاريخية للجماعات اليهودية عن سياقها التاريخي الإنساني العام والمتعين يحولها إلى تفاصيل ليس لها أي سمات أو ملامح خاصة ومحددة وليس لها أي جذور .
قال محامي الدفاع اثناء محاكمة أدولف إيخمان " إذا كان الشعب اليهودي قد عانى من الاضطهاد أينما ذهب ، ألا يمكن القول إنه هو نفسه سبب ما يحيق به من عذاب ، وإلا لماذا هذا النمط المستمر المتكرر بغض النظر عن الزمان والمكان ؟

المسألة أم المسائل اليهودية ؟
تختلف الأطر التاريخية التي تدور داخلها ولذا تختلف المسائل التي تواجهها ، فكل جماعة يهودية تواجه مسائل محدد نابعة من انتمائها لبنية تاريخية محددة وتشكيل حضاري مختلفين عن الأبنية والتشكيلات التي تنتمي لها الجماعات اليهودية الاخرى ، فعلى سبيل المثال واجه يهود الاسكندرية في القرن الأول قبل الميلاد مسألة يهودية مختلفة بشكل جوهري عن تلك المائل التي واجهها اليهود في روسيا القيصرية مختلفة عن التي واجهها يهود اوروبا ، وبطبيعة الحال كانت مسألة يهود ألمانيا إبان الحكم النازي مختلفة بشكل جوهري عن أية مسائل آخرى واجهها أعضاء الجماعات اليهودية الآخرى .
في العصور الوسطى واجه يهود انجلترا مسألة انهم كانواجماعة وظيفية صغيرة قامت بتزييف العملة فتم طردها
ويواجه يهود الولايات المتحدة مشكلة الاندماج بل والانصهار
ويواجه يهود اليمن عدة مشاكل من أهمها أنهم يعيشون في بلد في حالة حرب مع الدولة الصهيونية التي تدعي أنها دولة يهودية وتتحدث باسم كل يهود العالم .

الرؤية الصهيونية للتاريخ :
التاريخ اليهودي أمرا لا علاقة له بالواقع الإنساني الدنيوي : تاريخ يشبه البناء المصمت المنغلق على نفسه ويعبر عن نمط أو انماط محدد متكررة لا تتعدى حدود تجلي الجوهر اليهودي المطلق ، وهذا النمط ياخذ الشكل التالي : منفى ثم عودة ، والمنفى هو الحدث الذي يقع لليهود ، والعودة هي الفعل الذين يأتون به ، وهذا التاريخ يبدأ عادة بالعبودية في مصر ثم يتم التغلغل في كنعان والاستيلاء عليها وتأسيس المملكة العبرانية ، ثم يتكرر النمط بالتهجير الآشوري والبابلي , تليه العودة من بابل حسب مرسوم فورش ، ثم تأسيس الدولة الحشمونية ، ثم يتكرر النمط مرة ثالثة بهدم الهيكل على تيتوس وشتات اليهود وعجزهم بسبب عدم المشاركة في السلطة وغياب السيادة ، وتصل حالة المنفى إلى قمتها في الإبادة النازية ( الحدث الأكبر ) ثم تبدأ العودة من خلال تأسيس الحركة الصهيونية ثم تأسيس الدولة الصهيونية ( الفعل الأكبر )
وتنبع رؤية الصهاينة للتاريخ عن عنصرين رئيسين : احدهما عفائدي والآخر تاريخي ،

الصهاينة لا يميزون بين ثلاثة استخدامات مختلفة لكلمة تاريخ :
1- التاريخ المقدس : القصص الدينية التي جاء ذكرها في العهد القديم وهي قصص تروي تاريخ الشعب اليهودي بالمعنى الديني
2- تاريخ العبرانيين أو الإسرائيليين : وهو التاريخ الواقعي أو الإنساني ( وليس المقدس ) الذي يعود إلى عام 1200 ق.م ، وهذا التاريخ يختلف عن التاريخ المقدس على أنه كان ملكا عظيما ، في حين يخبرنا التاريخ أن المملكة اليهودية تحت حكمه فد ازدهرت حقا ، ولكنها ظلت مملكة صغيرة ليس لها أهمية كبيرة ، ليس لها أهمية كبيرة ، كم أنها ظهرت في مرحلة كانت القوى العظمى في الشرق الأوسط القديم في حالة تراجع
3- تواريخ الجماعات اليهودية : بعد أن نشأت تجمعات يهودية في أماكن متفرقة من العالم داخل بنيات تاريخية متعددة ، أصبح لكل أقلية أو تجمع يهودي في ظروفه التاريخية وديناميته المستقلة عن ظروف التجمعات الأخرى وديناميتها .

صهيونية ضد اليهود واليهودية :
في إطار سعيهم للحصول على الشرعية والتأييد الجماهيري في أوساط الجماعات اليهودية في اوروبا حاول رواد الحركة الصهيونية إضفاء صبغة دينية على الأفكار الصهيونية بحيث تبدو وكأنها امتداد لليهودية وليست نقيضا لها ،
وهكذا لجأت الصهيونية إلى تبني الرموز والأفكار الدينية المألوفة فصورت مسعاها الاستعماري باعتباره تحقيقا لوعد إلهي ومن ثم اضفت عليه صفة القداسة والحتمية ، ووظفت المقولات التوراتية عن " الشعب اليهودي المختار " وعن " العودة إلى صهيون " كمسوغات للمشروع الصهيوني المتمثل في اغتصاب فلسطين وإقامة كيان قومي يهودي .
وكان هرتزل يؤكد على أن رؤيته الصهيونية ليست لها أية مرجعية دينية ، ويجاهر قائلا " إنني لا اخضع لأي وازع ديني " ، وقد تعمد هرتزل انتهاك الشعائر الدينية اليهودية حين زار مدينة القدس لكي يؤكد أن حركته لا تنبع من أية منطلقات دينية تقليدية ،فهو يشير في مذكراته إلى انه كان متفقا مع صديقه ماكس نوردو على أن " معاداة السامية " هي حدها التي جعلت منهما يهودا ، وفي موضع آخر يؤكد أن وجود هذا العداء أمر ضروري للمشروع الصهيوني ، باعتباره " البخار المحرك " لانطلاقه
إن التهييج ضد اليهود ، سواء كان بشكل مباشر كما يفعل اعداء السامية ( أي اعداء اليهود و اليهودية ) ام بشكل غير مباشر ( كما يفعل الصهاينة ) هو في واقع الأ/ر مطالبة بطرد اليهود من بلادهم وتوطينهم في فلسطين او عودتهم من اوطانهم ، لكل هذا أذهب إلى أن الصهيونية حركة لتخليص اوروبا من فائضها البشري اليهودي ، وأنها تنبع من كره عميق ليهود المنفى .


الفصل الثالث :
يهودية الدولة الصهيونية

وتصنيف الدولة الصهيونية باعتبارها دولة يهودية ينبع من مفهوم " الوحدة اليهودية العالمية " فهو يفترض أن اعضاء الجماعات في العالم يشكلون وحدة واحدة اسمها الشعب اليهودي وأن هذا الشعب اليهودي اكتسب هويته من العقيدة اليهودية التي لا تكتمل شعائرها إلا في ارض الميعاد ، ولا يمكن ان تتحقق هوية هذا الشعب بشكل ما إلا في هذه الارض التي وعد الإله شعب المختار بها ، هذا التصور يجعل من طردها للفلسطنيين واحتلال أراضيهم هي مسألة تحرير للوطن القومي ويقوم بها المستوطنون العائدون ، ويجعل من الاستمرار في قبل الفلسطينيين وتشريدهم عميلة دفاع مشروع عن النفس ويجعل من مقاومة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني عملا " ارهابيا "
والجدير بالذكر أن مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل لم يكن يكترث بالعقيدة اليهودية ، وكان يتعمد الأرض العلمانية " على حد قوله
وقد أسس الصهاينة العماليون المستوطن الصهيوني وهؤلاء ملحدون بشراسة فكانوا يحرصون على الذهاب إلى حائط المبكى في يوم الغفران ويلتهمون شطائر لحم الخنزير تعبيرا عن رفضهم لليهودية
ولذا حينما وضع هرتزل كتابه الشهير الذي عرض فيه رؤيته لحل المسألة اليهودية سماه دولة اليهود وليس " الدولة اليهودية " ، فإن شرعيتها ستستند إلى ما جاء في العهد القديم
ولكن يبدو أن ثمة تطورات جديدة ستجعل من الدولة الصهيونية دولة لا هي يهودية ولا دولة اليهود ، بل دولة استيطانية إحلالية ذات قشرة يهودية سطحية ، ولإلقاء الضوء على هذا التطور سنشير إلى إن الاستعمار الصهيوني مر بثلاث مراحل : المرحلة الأولى هي المرحلة الإحلالية التي وصلت إلى ذروتها عام 1948 مع إعلان الدولة وطرد الفلسطينيين وصول آلاف المهاجرين للاستيطان في أرض فلسطين ، ثم انتهت هذه المرحلة عام 1967 حين قامت إسرائيل بضم الضفة الغربية والقطاع وهي مناطق مأهولة بالسكان العرب الذين لم يتمكن الاستعمار الصهيوني من طردهم ، فتحول الاستعمار الاستيطاني الإحلالي إلى استعمار استيطاني مبني على التفرقة اللونية وهذه المرحلة الثانية ، ولكن هناك عنصرين أدخلا الدولة الصهيونية في المرحلة الثالثة .

1- تصاعد الأزمة السكانية وتزايد النهم للتوسع
2- أتاح النظام العالمي الجديد فرصا جديدة للنظام الاستيطاني الصهيوني بحيث اصبح بوسعه أن يتجاوز نظاق فلسطين المحتلة ليتغلغل في البلاد العربية وليحول السوق العربية إلى سوق شرق اوسطية يلعب هو فيها دور الوسيط الاساسي بين العرب والغرب


هل اسرائيل حقا دولة يهودية ؟

لعل كل هذا يقنع الكثيرين في عالمنا العربي أن اسرائيل ليست دولة يهودية وإنما دولة استعمارية استيطانية إحلالية ،.


انتهى
27\04\2011-04-27

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق