الجمعة، 29 أبريل 2011

الكتابة فن العزلة

لماذا نكتب ؟ ) سؤال بدأه السورياليون في بدايات القرن المنصرم وطرحه ويطرحه كل أديب وكاتب على نفسه منذ الأزل وحتى زمننا الراهن. وبقدر بساطة السؤال بقدر صعوبة وتشعب الإجابات عليه، غير أن العامل المشترك غالبا مرتبط إما بدوافع داخلية تخص الكاتب وحده، أو خارجية تصله بهم.

هناك العديد من الدوافع المتعددة الغايات للكتابة، والتي يمكن تلخيصها في أربعة محاور أساسية هي: نقل المعلومة إلى الغير، محاولة فهم الكاتب لنفسه، الضرورة أو التقدير، وأخيراً إرضاء الذات أو الحاجة إلى الشهرة. وإن كانت الحاجة أم الاختراع، فإن الإحباط مولد الإبداع.

وكان الكاتب الايرلندي برنارد شو (‬1856 ـــ ‬1950)، على قناعة أن لديه أفكارا عليه أن يقدمها للعالم. وعليه حاول كتابة الرواية كوسيط لتوصيل المعلومة، وحينما وجد أن هذا الوسيط غير فعال بالنسبة له، تحول إلى الدراما وخشبة المسرح، وعندما وجد فيها وسيطه الأمثل، قرر كتابة المسرحيات لنشر رؤاه.

وكما قال الأديب الكولومبي غابرييل ماركيز غارسيا (‬1927)، (أكتب لكي أنال المزيد من حب أصدقائي (وقال الأديب الايطالي ألبرتو مورافيا (‬1907 ــــ ‬1990) الذي اشتهر برواياته الفلسفية، (حتى أفهم سر اندفاعي إلى الكتابة).

وسيتم في هذا المقال عرض مجموعة من أقوال كبار الكتاب من العالمين العربي والغربي.



رحلة اكتشاف

إن نقل المعلومة يشمل العديد من المفاهيم، أبسطها توصيل معلومة صريحة غير مواربة، والغاية من توصيل المعلومة هو الإقناع بفكرة ما. وأسلوب التوصيل يمر بمجموعة من المراحل التي تعزز وصول المعلومة المطلوبة وتحقيق هدفها. والمعلومة الهادفة أو المطلوبة لا تعني بالضرورة التحيز لمبدأ ضد آخر. فمن دون أفكار واضحة تصبح الحياة ضبابية ومربكة.

كما أن نقل المعلومة يحمل في مضمونه التعليم، والحالة والكشف. أما نقل المعلومة إلى النفس، فهو بمثابة رحلة اكتشاف داخلية للكاتب والتي ينتج منها أدباً رفيعاً غالباً.

فحينما يكتب الإنسان، يكشف جانباً من نفسه، وهذا النوع من الكتابة يتضمن قدراً عاليا من العاطفة، وغالباً ما يرتبط هذا الكشف بالجانب الروحي والفلسفي والاجتماعي. وعلى الرغم من أن الكتاب ينشدون أجوبة على تساؤلات لا ترتبط بالأجوبة المألوفة، فإن هذه التساؤلات تكشف الكثير من خبايا وعمق النفس.

الضرورة

يتعرف الناس على الكتابة بداية كحاجة وضرورة وجزء من وسيلة التعليم. وقد بينت الدراسات أن المتعة التي يحققها معظم الأطفال من الرسم والتلوين في مرحلة الدراسة الابتدائية، لا تتحقق في الكتابة إلا فيما ندر، ومع ذلك فإن نسبة الطلبة المحبين للفن والكتابة في المرحلة الثانوية متساوية، وصولا إلى ترجيح كفة الكتابة مع مرور الزمن.

كما أن الضرورة أو الحاجة الاقتصادية تحتم على العديد من الأفراد الكتابة، في قطاع التجارة والجانب الأكاديمي وغير ذلك، وإن كانت الكتابة في هذه الحالات غير مرتبطة بشغف الكلمة والعبارة واللغة.



الذات

يمتلك الكتاب أسوة بالفنانين هامشاً كبيراً من الـ (أنا)، وليس من السهل عليهم التعامل مع النقد والرفض. وهذه الـ (أنا) خط الدفاع الحقيقي والأول للكاتب، وتعادل أهميته، أهمية موهبته. ويمكن ترجمة الأنا في هذه الحالة إلى عدة مقولات منها: (لدي شيء أقوله)، و(كتابتي أفضل مما قرأت للبعض)، و(أريد مصداقية). وبقدر ما تشكل الأنا مقتلاً لإبداع صاحبها، بقدر ما تحمي إبداعه وتحول دون تقويض جذوة إبداعه من قبل المحيط الخارجي.



أقوال الأدباء

وقال الأديب المصري توفيق الحكيم (‬1898 ـــ ‬1987) أحد رواد الرواية والكتابة المسرحية العربية، (أكتب لهدف واحد هو إثارة القارئ لكي يفكر).



سجِّل

وقال الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش (‬1941 ـــ ‬2008) الذي نقشت قصائده في ذاكرة أجيال وأجيال في العالم العربي، (أكتب... لأني بلا هوية ولا حب ولا وطن ولا حرية).



قاع المدينة

وقال الأديب المصري يوسف ادريس (‬1927 ـــ ‬1991) الذي اختطفه عالم الأدب من الطب (اكتب لأني أحيا، واستمر في الكتابة لأني اطمح لحياة أفضل) هذا الأديب الذي تميز برؤيته الأدبية والفكرية تستند إلى حساسية فائقة وإدراك نافذ لمظاهر الوجود الإنساني وحقائقه.



مريود

وقال الروائي السوداني الطيب صالح (‬1929 ـــ ‬2009) الذي اشتهر بروايته (موسم الهجرة إلى الشمال) التي وصلت إلى العالمية، (أجدني ميالاً إلى القول اني لا أعرف بالضبط لماذا أكتب، طالما أني أرغب فعلاً وأبداً بأن أصبح كاتباً.. فأنا انتمي لثقافة ممارسة واحترام الكتابة في تقاليدها).



شيكاغو

وقال الروائي المصري وطبيب الأسنان علاء الأسواني الذي حقق شهرته من خلال روايته (عمارة يعقوبيان) (لا أعتقد أن بإمكان المرء أن يصبح كاتباً بناء على قرار، إما أن يولد المرء كاتباً ويكون محظوظاً إن استطاع اكتشاف ذلك، أو لا. بالنسبة لي اكتشفت موهبتي في الكتابة حينما كنت في الحادية عشر من عمري، ومن حينها كان حلمي الوحيد أن أصبح كاتبا، ولحسن حظي ساعدني والدي في مسيرتي).



الأم

وقال الأديب الروسي مكسيم غوركي (8681 ـــ‬1936) عندما سئل لماذا يكتب؟، (إن رداءة الحياة اليومية وسخافتها وحمقها، تمسك أحيانا بخناقنا وترغمنا على الصراخ لنتمكن من التنفس. وعندما أكتب يتدفق جمال الطبيعة، وفرحة الحب، وحنو الصداقة، وكرامة الرجولة من القلب في سيل من الكلمات والشعر والموسيقى والبهجة، أكتب لأشارك الآخرين هذه المسرات).



الخروج إلى المتنفس

قال الكاتب البريطاني جورج أورويل (‬1903 ـــ ‬1950) الذي اشتهر برويته (‬1984 )، (أدركت منذ كنت في الخامسة أو السادسة من عمري أني سأصبح كاتباً. وحاولت ما بين سن السابعة عشرة والرابعة والعشرين التخلي عن هذه الفكرة، وفعلت هذا عن وعي لمعرفتي بأني عاجلاً أم آجلاً سأستقر مع الكتابة والكتاب.

(كنت الطفل المتوسط بين أخوين بفارق خمس سنوات عن الأكبر والأصغر، وكنت بالكاد ألتقي بوالدي، لذلك أمضيت معظم أغلب طفولتي وحيداً، ونظراً للعادات التي اكتسبتها بسبب وحدتي، نبذت من أقراني في المدرسة، مما عمق من وحدتي. وكأي طفل وحيد بدأت أنسج في خيالي قصصا وحوارات مع أشخاص متخيلين. وأغلب الظن أن حبي للأدب مرتبط بشعور الوحدة آنذاك).



الرجال الجوف

قال الشاعر البريطاني الأصل الأميركي الجنسية ت. إس إليوت (‬1988 ـــ ‬1965) الذي اشتهر بقصيدته الأرض اليباب، (الشعر ليس مهنة، بل بمثابة لعبة. وما من شاعر يملك الثقة الكاملة بأهمية أو قيمة ما كتبه، وعلى الأغلب يكون قد هدر حياته عبثاً).

إيما

(الكاتب الذي يتمتع بهبة الإبداع، لا يملك أن يكون سيداً عليها دائما. هناك شيء ما غريب يتحرك ويعمل من تلقاء نفسه)، قول للروائية البريطانية شارلوت برونتي (‬1816 ـــ ‬1855) التي اشتهرت بروايتها (جين آير).



المال

قال الروائي البريطاني مارتن إيميس (‬1949) الذي صدر له في العام الماضي رواية (الأرملة الحامل)، (معظم الكتاب يكتبون لأسباب شخصية وربما أنانية، وأغلبها لا علاقة لها بالشهرة أو المال. الكتاب في المحصلة فنانين، والفنانين مدفوعين للتعبير عن أنفسهم، حتى ولو لفرد واحد. وهذا يفسر سبب متابعة العديد من الكتاب للكتابة والنشر سواء من خلال الدور المختصة أو على حسابهم الشخصية على الرغبة من ضآلة احتمال المردود المادي.

أكد عدد من الكتاب الذين يكتبون بالفرنسية أولئك الذين حملتهم ظروفهم الشخصية وظروف بلدانهم إلى الاستقرار في فرنسا منذ سنوات طويلة ؛ أن الكتابة بالنسبة لهم هي فك سر الألوان وظل الشجر والتبشير بحياة أفضل لذلك فقد ذهب بعضهم إلى الرواية للتعبير عن ذلك والبعض الآخر لاذ بالشعر وسيلة للخروج بشيء ساطع وغامض:

وقال صلاح ستيتيه وهو شاعر ودبلوماسي لبناني يقيم في باريس: الكتابة بالنسبة لي موضوع غامض مثل وضوح الليل، هل ينفي الليل المظلم الوجود؟ بالعكس قد يعبّر الليل عن الوجود أكثر من النهار، وفي النهار أيضاً توجد كل أسرار الحياة. الشجرة سر، ظل الشجرة سر، الألوان سر، يتساءل ايف بونفوا، لماذا هناك سبعة ألوان؟

أنا أسعى إلى الوصول إلى لون ثامن، هذا ما يقوله، إذن إن كان هناك غموض في الكتابة فهو الغموض الموجود في الإنسان. الغموض الذي يلف الكينونة، الكائن، الغموض الموجود في اللغة، لكن الغموض هو غموض مشترك، بمعنى آخر، الغموض الذي تأتي به، لا تفهمه أنت بغموضك لأنك أنت غامض.

ومعنى ذلك جئت بغموض فارغ، الغموض المليء هو إمكانية مشاركتي في هذا الغموض لأنك تمتلك اختباراً بالغموض نفسه، إنه غموض مظهره غموض وقلبه نور، عندما أقول لك كلمة غامضة ولا أوضّح لك أشياء بغموضك تكون تلك الكلمة غير حامل، معنى ذلك، أنني لم أستطع بهذه الكلمة التي جاءت من اختباري أن أحملها معناها الكامل الذي من شأنك استقبالها، لأن هذا الاختبار ذاته موجود عندك، وأنا أتساءل: لماذا لا يصبح الشعر لغة الكل؟

لماذا هو غير مقبول لدى الجميع؟ لماذا يفضّل أغلبية الناس الشعر الهندسي الواضح؟ لأن قلة من الناس لهم رغبة الاختيار، رغبة العودة إلى الذات، قارئ الشعر يجب أن يكون شاعراً، فالقارئ هو ظل الشاعر، والشاعر هو ظل القارئ، بين القارئ والشاعر علاقة وجدانية، وجودية، وإذا لم يكن الشاعر على المستوى المطلوب فإنه يقدّم للقارئ كلاماً جميلاً مزيناً، رقاصاً، افتعالياً.

وربما مزيفاً، مليئاً بالنغم مثل طرب النشوة والعابر، هذا النمط ليس شاعراً كبيراً ولا يجد نفسه إلا بين الغوغاء، وشعرنا العربي مليء بهؤلاء، لذا أعود وألح على أن الكتابة بالنسبة هي قبل كل شيء السعي إلى الخروج بشيء ساطع وغامض في الوقت ذاته، شيء لا تفهمه ولكنك لا تقدر أن تنفيه، لأنك تختبره بنفسك، وبكل ما يكتنزه من معان وأبعاد.

وبدوره قال نديم عورسيل وهو روائي تركي يكتب بالفرنسية ويقيم في باريس: أكتب لذكريات طفولتي وربما إلى أمي، إلى إيقاع الكلمة التركية ذات الأهمية بالنسبة لي رغم أنني أكتب بالفرنسية أيضاً. وهذا يعني أن اللغة الفرنسية أعطتني إمكانية التفكير وصياغة المفاهيم. والكتابة هي الأمل بالنسبة للكاتب المنفي، والمنفى موجود، وهو حالة غالبية الكتاب الذين يعيشون خارج أوطانهم، هو العزلة، والكتابة بحد ذاتها تتطلب العزلة. أنت وحيد مع الكلمات ومع مصباح الطاولة، بهذا المعنى أشعر أنني في المنفى.

ولكن عندما ينشر الكتاب هناك قارئ يشارك عزلتك هذه. والكاتب يتوالد، وربما هذه هي مفارقة الكتابة، إن فن الكتابة نفسه يتضمن فعل العزلة، ولكن أن تقرأ يتضمن نوعا من المشاركة مع هذه العزلة. وهكذا عندما ينشر كتابك لم يعد يخصك، بل ينتمي إلى القراء، وهكذا فأنت لست في المنفى ولست في عزلة.

وقال الطاهر بن جلون وهو كاتب مغربي يكتب بالفرنسية أن الكتابة هي عمل الناس الذين يشتغلون في الخيال، وعادة ما يكون عملهم سرياليا، وليس له أي ارتباط بالمنطق، ولا يمكن أن نجيب على السؤال الجوهري لماذا نكتب؟وعندما كنت أشاهد الحلقات الحكاواتيين في ساحة جامع الفناء لمراكش كنت أبقى ساعات طويلة أبحث عن خيط منطقي يربط تلك الحكايات والقصص والخيالات لكي أفهم مجرى ما يحدث.

ما يهمني في الكتابة هو أن أخذ طريقة الحكي وأتكلم عن أشياء أخرى، وما يهمني أيضاً هو الأخذ بيد القارئ، لكي يصاحبني في كل ما يحكيه البعض.

لا أقوم بالكتابة وأقول لنفسي: حسنا إنني سأكتب بهذه الطريقة حتى أحصل على استحسان الجمهور الفلاني أو أكتب الرواية الفلانية لكي أشبع رغبة القارئ الغربي. وللمعلومات أن القارئ الغربي له آلاف الكتب تصدر سنويا، ولا توجد إمكانية الضغط عليه أو إجباره لكي يشتري روايتك أنت، القارئ حر، والسوق حرة، ولا توجد أية ضغوطات من تلك التي نعرفها. لذلك عندما يتوقف القارئ الفرنسي عند كاتب عربي، فأنه يريد أن يدخل في خياله كما هو الحال مع كتب أمين معلوف، وروايات نجيب محفوظ المترجمة. إنني أكتب ولا أسال نفسي لماذا؟ فإذا كانت رواياتي خفيفة وفلكلورية هل بإمكانها الصمود أمام الزمن؟

وقال أمين معلوف وهو روائي لبناني يكتب بالفرنسية ويقيم في باريس: عندما أستيقظ في الليل أكتب على ورقة، أو أذهب إلى مكتبي، أكتب فكرة وليس صفحة من الكتاب، وقلما أفكر لماذا أكتب؟ أجل لدي طقوس، عادة أعزل نفسي للكتابة، أولا أعمل صباحا ولا أحب أن أفرض ساعة معينة للعمل ألتزم بها، لكن في الصباح أكتب حتى بعد الظهر الساعة الثالثة أو الرابعة أو السادسة على جلسة واحدة. لا أفرض على نفسي ساعات معينة لا للبداية ولا للنهاية بل حالما أشعر بالتعب، أتوقف في الحال، وأفرض على نفسي عندما أخرج من غرفة الكتابة ألا أفكر إطلاقا بالكتابة.

وأنسى الكتاب الذي أعمل عليه ولا أفكر به إلا وقت العمل والاشتغال عليه. ولكن قبل أكون قد فكرت به كثيراً، أدع كل الأفكار تأتي عندما أبدأ بالكتابة وإلا فالأفكار تضيع ولا يكون لها محل، وعادة أبدأ كل فصل على الورقة باليد، هي بدايات صغيرة أو أسطر، مثلما أبدأ بالتمرين أو ــــ مثل ما نحرك السيارة ــــ وعندما أشعر بأن السيارة دارت وأدير الكومبيوتر و أبدأ بالكتابة آنذاك لا أتوقف. حقاً أكتب دون أن أفكر بالأسباب ولكن ثمة قوة خفية تدفعني إلى ذلك، هذا ما أعرفه.

وقال عمران المليح وهو كاتب وروائي مغربي رحل العام الماضي: إنني أكتب لأن الأدب هو قبل كل شيء، تلك العلاقة التي تنشأ بيني وبين القارئ، وما الكاتب إلا واسطة وصلة نقل، وهذه العلاقة هي أولا وأخيرا مجرّدة ومعنوية وروحية مثل الحب والصداقة وغيرهما، فالحب هو نفسه في سائر بلاد المعمورة بصرف النظر عن الطريقة أو الوسيلة التي يستعملها المحب للتعبير عمّا يعتمل داخله من أحاسيس،.

وكذلك الأمر بالنسبة للأدب، فالأديب، شاعرا كان أو روائيا أو مسرحيا أو قاصّا، يؤسس مسافة إبداعية يمشيها معه القارئ، هدفها الأول، في نظري، هو الإمتاع، ثم بعد ذلك أنشد من الكتابة تأثيرها في التغيير الإيجابي من خلال التبشير بحياة أفضل، وبطريقة أو بأخرى. لذلك وجدت ضالتي في الرواية على الرغم من أنني كتبتها وأنا في مرحلة متأخّرة من العمر، فهي تخلّقت وأثمرت خلال سنوات معينة من حياتي، ولم يَحِنْ قطافها سوى في تلك السن المتأخّرة، ربما لأنّ مشاغل وهموم أخرى استرقتني قبل ذلك.

الكتابة إشباع نفسي وروحي هذا ما أكده الروائي علي أبوالريش مضيفا أن كل إنسان في الدنيا لديه رسالة، والكتابة لدي تخلق حالة من الاستفزاز الذاتي، كما تستطيع أن تستفز الآخر، إنها إشباع نفسي وفكري، وبدونها لا يمكن للكاتب أن يجد نفسه على الأرض، بعبارة أخرى هي فعل وجودي، وبدونها لا قيمة للكاتب.

وأوضح أبو الريش: لكل شيخ طريقة، ولكل كاتب أسلوبه، ولن تنحصر الكتابة في التركيز على ما هو سائد ودارج في الحياة، لأنها بحد ذاتها هدف ورسالة، فهي انبعاث للداخل، ومحاولة للتأكيد ومخاطبة الآخر، بكل ما لها من قيمة وجودية لدى الكاتب نفسه، فالكتابة ليست خيارا بل هي إجبار، بمعنى آخر بعض الناس وجدوا ليكتبوا، مثلما بعضهم الآخر وجد ليكون مهندسا، أو فنانا، أو نجارا، فهي ملكات الإنسان ومواهبه، التي يتم تسخيرها، بطرق متعددة، من هنا يستند كل كاتب إلى مرجعيته الثقافية ومخزونه الفكري، وكل شيء آخر من الممكن أن يسانده، ويرتكز عليه.



بعيداً عن الترف

وقال الشاعر والباحث أحمد محمد عبيد إن الكتابة بكافة أشكالها ضرورة وليست حالة من الترف مضيفا: بالنسبة لي الكتابة إن كانت إبداعية أو بحثية، فهي ضرورة ذاتية، وتعبير روحي، وأجد نفسي حين أعبر بالكتابة بكل الطرق التي أراها مناسبة، ومن هنا يأتي الشعر في المقام الأول، فاسخر له كل إمكانياتي، وموهبة الكتابة تكون بامتلاك الأدوات، ومن يمتلك قدرة الكتابة لا بد أن يعتمد على قدراته ومخزونه الثقافي. وعن الجانب الآخر في نتاج أحمد محمد عبيد وهو الكتابة البحثية قال:

تقوم الكتابة البحثية على أسس الحصيلة العلمية، ثم تأتي القدرة على توظيف المعلومات في قالب جديد، مؤلف ومعتمد على قوالب علمية سابقة، فهي ضرورة، طالما أمتلك القدرة على الكتابة في المجال البحثي، الذي أعتبره جزءا من الواجب الإنساني، والواجب الوطني، والعلمي والتعبير عنه يحقق لي نوعا من الرضا عن الذات، وفي مناطق أخرى إثبات للذات. ويعود للحديث عن موهبة الكتابة قائلا: موهبة الكتابة تكون بامتلاك الأدوات، ومن يمتلك قدرة الكتابة لا بد أن يعتمد على قدراته ومخزونه الثقافي.



ترجمة نبيلة

وقالت أسماء الزرعوني : كتبت وأكتب لأجل شيء ما في الداخل، وبهدف أن أخرج هموم مجتمعي من خلال كتاباتي، وأجد في الأدب حالة إنسانية، ويكتب للإنسانية، ويحفظ ما فيها، فالكاتب كالمصور الذي يشده منظرا، فيصوره، ومن هذا المنطلق أفعل كالمصور أكتب عن الأشياء الجميلة والسيئة، فأنا كفنان، لكني أرسم بالكلمات لأجل هدف نبيل، يصل إلى كل الناس.وهذه الأهداف تترجم عند الزرعوني بعدة طرق قالت: ممكن من خلال رواياتي أن أحول تاريخ مجتمعي إلى رواية، تمتلك القدرة أن تصل إلى الناس بطريقة أفضل، ويبقى القلم مشاكسا، حتى عندما أحاول أن لا أكتب لا أستطيع لأنها في دمي.

وعن حالات الإشباع التي تحققها عملية الكتابة أوضحت: هذه الحاجة الروحية التي تتأجج، تجعل الكاتب أفضل من غيره، لأنه يستطيع عبر كلماته أن يخرج كل ما كان يزعجه، فهذا المزيج من الأحاسيس، إن ظهر عند الناس سيكون بطرق مختلفة، ربما تعبر دموعهم عنها وربما أشياء أخرى من انفعالاتهم، لكن الكاتب يعبر بقلمه عن ما يجول في روحه، وما يتأجج في عاطفته.

وأضافت: أحيانا لو اقتبست أشياء خاصة من خلال شخصياتي الروائية إلا أنها تبقى مرتبطة بروحي، وكثيرا ما تخرجني من أجواء وحالات الحزن، فكلما كتبت أشعر بالراحة، وعندما تغادرني هذا الأشياء المتراكمة في داخلي أشعر عندها أن الكتابة متنفس حقيقي، ومن لديه ملكة الكتابة إن لم يجد من يبوح له يبوح للورق من خلال الحبر.

لهاجس الكتابة دوافع معينة عند الأديب حارب الظاهري الذي قال: يقودني التفكير دائما إلى الكتابة، وأذهب إليه مرتكزا على المخزون الذي امتلكه، فالكتابة لا تأتي من فراغ التفكير، بل من ثقافة وتراكم معرفي، وموهبة، وإن لم أتقدم وأكتب تبقى أفكاري حبيسة. ولتحرير أفكاره رسالة يحصرها الظاهري بأنها ثقافية موجهة لمن يقرأ.

رهان الحياة

الكتابة ليست أمرا ثانويا إنها الحياة هذا ما أكده الكاتب والمخرج المسرحي صالح كرامة قائلا: أكتب لكي أعيش، فالكتابة هي المتنفس بالنسبة لي، وجزء أساسي من الحياة، من نتائج ما أشاهده في الواقع، وأضاف: الكتابة مرادفة لكل هذه المسائل، بل مرادفة للحياة نفسها. وعندما أكتب أشعر أنني في فترة نقاهة في النفس، وأستعرض الحياة بشكل منطقي، أتوقف لتمرير كل ما بداخلي ولمعظم ما شاهدته.

ذلك الانعتاق الجميل جعل كرامة يؤكد قائلا: لا يمكن أن أستغني عن الكتابة، إنها في دمي، بل هي روح مرادفة لي دائما، ومن أجلها ضحيت بالكثير من الأشياء، وأخلصت لها، باعتبارها جزءا من الرهان في حياتي، لها الأولوية، وكل ما أتجه إليه من كتابة مسرحية، أو فنون لها علاقة بالسينما، فهي وجدت لتغذي هذه الملكة.

وعن أهمية الكتابة قال كرامة : عندما أشعر بأنها قدرة منطفئة، أقوم بإيقادها من خلال المشاهدات والأحاديث، والتمرد والصعلكة، لا بد أفعل ذلك، لأن الكتابة جزءا من حياتي، وجزءا من مشروعي الحياتي، وهو ما يمنحني أحيانا الشعور بالسعادة كوني كاتبا، فهي عالم كبير يستمر لما للكلمة من أهمية.

تعبير وجداني

حدد الأديب إبراهيم مبارك ما يدفعه إلى ذلك العالم بعدة أغراض وهي كما قال: التعبير عن ذاتي ووجداني، ومعتقداتي في الحياة، وأيضا لشعوري بأنها مسؤولية اجتماعية، ومسؤولية ثقافية وحياتية، تعبر عن المجتمع بكل ما فيه من أحزان وأفراح وقضايا، وكل ما يمكن أن يلامس الإنسان، أعبر عنه، وأحصر مجال التعبير عن الذات بخاطرة أو فكرة، على أن أكون متضامنا مع المجتمع بآلامه وأفراحه.

ولا تقتصر كتابات إبراهيم مبارك عن الإنسانية بل يمكن كما أشار أن يعبر عن موجودات تحيطنا قال: من الممكن الكتابة عن الطبيعة هذا الفضاء الجميل، الذي يمكن أن يتيح فرصة الاستمتاع بالحياة، فلما لا نكتب عن الوردة وعن نخلة بديعة تزين العالم، إنها مسؤولية أيضا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق